كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؛ بَلْ أَرَادَ مُخَالَفَةَ الْجَهْمِيَّة؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لابد أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الْعَرْشِ بَلْ كَلَامُهُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ أَمْثَالِهِ مِنْ السَّلَفِ: كالأوزاعي وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَد فِي رِسَالَتِهِ إلَى مُسَدَّدٍ وَقَالَ: رَاوِيهَا عَنْ أَحْمَد مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ فِي أَصْحَابِ أَحْمَد مَنْ اسْمُهُ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدٍ البردعي. وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنْ يُقَالَ: يَخْلُو أَوْ لَا يَخْلُو كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ المقدسي وَغَيْرُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ، وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ منده مُصَنَّفًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَسَمَّاهُ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَعَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ وَعَلَى مَنْ تَأَوَّلَ النُّزُولَ عَلَى غَيْرِ النُّزُولِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدِّينَوَرِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدٍ البردعي التَّمِيمِيِّ قَالَ: لَمَّا أُشْكِلَ عَلَى مُسَدَّدِ بْنِ مسرهد أَمْرُ السُّنَّةِ وَمَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ الْقَدَرِ والرَّفْضِ والِاعْتِزَالِ والْإِرْجَاءِ والْقُرْآنِ كَتَبَ إلَى أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ: أَنْ اُكْتُبْ إلَيَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهَا؛ وَيَنْزِلُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَعَنْ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَزَعَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَفْظٌ مُنْكَرٌ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمَا وَعَنْ غَيْرِهِمَا وَحُكْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَثَرِ حُكْمُ حَدِيثٍ مُنْكَرٍ وَقَالَ: أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدٍ البردعي مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ فِي أَصْحَابِ أَحْمَد مَنْ اسْمُهُ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدٍ: فِيمَنْ رَوَى عَنْ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ كَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ وَأَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَأَبِي بَكْرٍ المروذي وَأَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى البراني الْقَاضِي وَأَحْمَد بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ وَأَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْقَاصِّ غُلَامِ خَلِيلٍ وَأَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَزِيدٍ الْوَرَّاقِ. وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَحْمَد بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ أَبَا بَكْرٍ الْقَاضِيَ وَأَحْمَد بْنَ خَالِدٍ أَبَا الْعَبَّاسِ البراني وَأَحْمَد بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَدَقَةَ وَأَحْمَد بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الأسدي وَأَحْمَد بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْكُوفِيَّ وَأَحْمَد بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْكَحَّالَ وَأَحْمَد بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَد بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ بَطَّةَ.
وَذَكَرَ أَحْمَد بْنُ الْحَسَنِ أَبَا الْحَسَنِ التِّرْمِذِيَّ؛ وَأَحْمَد بْنَ سَعِيدٍ وَقِيلَ: أَبُو الأشعبة التِّرْمِذِيُّ. وَذَكَرَ فِي الْمُحَمَّدِينَ: مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيَّ قَالَ: وَلَمْ يُعَدَّ هَذَا فِيمَنْ رَوَى عَنْ مُسَدَّدٍ أَيْضًا. قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي العاص وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو أمامة وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَأَبُو ثَعْلَبَةَ المروذي وَرِفَاعَةُ بْنُ عَرَابَةَ الجهني وعبادة بْنُ الصَّامِتِ وَعُمَرُ بْنُ عبسة وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا اللَّفْظَ؛ وَلَا مَنْ رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ. ثُمَّ سَاقَ الْأَحَادِيثَ بِأَلْفَاظِهَا؛ وَذَكَرَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَقُلْ هَذَا اللَّفْظَ. قَالَ: وَهُوَ لَفْظٌ مُوَافِقٌ لِرَأْيِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَرَأَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ. قَالَ: وَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ النُّزُولَ عَلَى غَيْرِ النُّزُولِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَلِقَوْلِهِ: فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ إلَى الْفَجْرِ. قُلْت: الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا: إنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْحَدِيثِ؛ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَوْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؛ كَمَا يَدَّعِيهِ الْمُدَّعُونَ لِذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ لَا لَفْظُ الْمُثْبِتِينَ لِذَلِكَ وَلَا لَفْظُ الْنُّفَاةِ لَهُ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُمْ يَتَأَوَّلُونَ النُّزُولَ عَلَى غَيْرِ النُّزُولِ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَنْفِي نُزُولًا يَقُومُ بِهِ وَيَجْعَلُ النُّزُولَ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ؛ وَعَامَّةُ رَدِّ ابْنِ منده الْمُسْتَقِيمِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ هَؤُلَاءِ؛ لَكِنَّهُ زَادَ زِيَادَاتٍ نُسِبَ لِأَجْلِهَا إلَى الْبِدْعَةِ؛ وَلِهَذَا كَانُوا يُفَضِّلُونَ أَبَاهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ التَّيْمِيُّ وَغَيْرُهُ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبِي فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ النُّزُولَ عَلَى غَيْرِ النُّزُولِ وَاحْتَجَّ فِي إبْطَالِ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ وَادَّعَى الْمُدْبِرُ أَنَّهُ يَقُولُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ فَحَرَّفَهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَنْكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَنْ حُجَّتِهِ وَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ وَتَأَوَّلَ النُّزُولَ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لَا حَقِيقَةِ النُّزُولِ. وَزَعَمَ أَنَّ أَئِمَّتَهُمْ الْعَارِفِينَ بِالْأُصُولِ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَنْ التَّنَقُّلَاتِ فَأَبْطَلَ جَمِيعَ مَا أَخْرَجَ فِي هَذَا الْبَابِ إذْ كَانَ مَذْهَبُهُ غَيْرَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاعْتِمَادُهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الْبَاطِلِ وَالْمَعْقُولِ الْفَاسِدِ. وقَوْله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} نَفَى التَّشْبِيهَ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَكُلِّ الْمَعَانِي وَلَكِنَّ الْبَائِسَ الْمِسْكِينَ لَمْ يَجِدْ الطَّرِيقَ إلَى ثَلْبِ الْأَئِمَّةِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ بِهِ أَوْلَى ثُمَّ قَصَدَ تَعْلِيلَ حَدِيثِ النُّزُولِ بِمَا لَا يُعَدُّ عِلَّةً وَلَا خِلَافًا مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي «يَنْزِلُ» و«يَقُولُ إذَا مَضَى نِصْفُ اللَّيْلِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَنِصْفُ اللَّيْلِ قَالَ ابْنُ منده وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا وَلَكِنَّهُ جَهْلٌ وَاحْتَجَّ مَعَهَا بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أنيسة عَنْ طَارِقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّهُ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي كُلَّ لَيْلَةٍ». وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِهِ. زَعَمَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ وَابْنَ مَهْدِيٍّ وَالْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا؛ أَخْرَجُوا فِي كُتُبِهِمْ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ الْمَتْرُوكِينَ تَرَدُّدًا مِنْهُ وَجَهْلًا وَأَعَادَ حَدِيثَ أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ عَنْ حَفْصٍ. رَوَاهُ مُحَاضِرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ «إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ». وَكَذَلِكَ حَدِيثُ طَارِقٍ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أنيسة عَنْ طَارِقٍ. عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ». وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ؛ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العاص فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَا رُوَاتِهَا مَا يَصِحُّ؛ قَالَ وَلَوْ سَكَتَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ كَانَ أَجْمَلَ بِهِ وَأَحْسَنَ؛ إذْ قَدْ سَلَبَ اللَّهُ مَعْرِفَتَهُ وَأَرْسَخَ فِي قَلْبِهِ تَبْطِيلَ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ وَاعْتِمَادَ مَعْقُولِهِ الْفَاسِدِ.
قُلْت فَهَذَا نَقْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِكَلَامِ أَبِيهِ وَأَبُوهُ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَفْقَهُ وَأَسَدُّ قَوْلًا. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ منده هَذَا. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الساجي ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْنُ نَصْرٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ فَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ كَلَامِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلَامِ فَقَالَ لَهُ: تَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ لَا يَزُولُ؛ ثُمَّ تَرْوُونَ أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: إنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ وَلَكِنْ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ أَرَادَا بِقَوْلِهِمَا يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ؛ أَرَادَا أَنْ لَا يَزُولَ عَنْ مَكَانِهِ؛ فَقَدْ نَسَبَهُمَا إلَى خِلَافِ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدٍ المعاصمي ببلخ أَنْبَأَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَد الْمُسْتَمْلِي قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ حِرَاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ: سَمِعْت الْفُضَيْل بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: إذَا قَالَ لَك الجهمي: أَنَا لَا أُؤْمِنُ بِرَبِّ يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ فَقَالَ لَهُ أَنَا أُومِنُ بِرَبِّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قَالَ: رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ فضيل بْنِ عِيَاضٍ. قَالَ: وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَحَدٌ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّنَادِقَةُ فَلَا يَبْقَى خِلَافٌ بَيْنَ مَنْ يَقُولُ: أَنَا أَكْفُرُ بِرَبِّ يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ وَبَيْنَ مَنْ يَقُولُ: أَنَا أُومِنُ بِرَبِّ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ فِي إبْطَالِ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ إذَا قَالَ الجهمي أَنَا أَكْفُرُ بِرَبِّ يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ فَقُلْ آمَنْت: بِرَبِّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قُلْت: زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الساجي أَخَذَ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِمَّا نُقِلَ فِي كِتَابِ مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَذَكَرَ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ يَنْفِي قِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِهِ: أَنَّهُ يَخْلُقُ أَعْرَاضًا فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ يُسَمِّيهَا نُزُولًا كَمَا قَالَ: إنَّهُ يَخْلُقُ فِي الْعَرْشِ مَعْنًى يُسَمِّيهِ اسْتِوَاءً. وَهُوَ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ تَقْرِيبُ الْعَرْشِ إلَى ذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ فِعْلٌ بَلْ يَجْعَلُ أَفْعَالَهُ اللَّازِمَةَ كَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ كَأَفْعَالِهِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَالْخَلْقِ وَالْإِحْسَانِ وَكُلِّ ذَلِكَ عِنْدَهُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ.
وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ وَلَكِنْ يَقُولُونَ فِي النُّزُولِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ هَذَا الْقَوْلَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي نَفْيِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ وَالسَّلَفُ الَّذِينَ قَالُوا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَنْزِلُ كَيْفَ شَاءَ وَكَمَا شَاءَ والْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ الَّذِي قَالَ: إذَا قَالَ لَك الجهمي أَنَا أَكْفُرُ بِرَبِّ يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ فَقُلْ أَنَا أُومِنُ بِرَبِّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مُرَادُهُمْ نَقِيضُ هَذَا الْقَوْلِ. وَرَدُّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ منده مُتَنَاوِلٌ لِهَؤُلَاءِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَبْقَى خِلَافٌ بَيْنَ مَنْ يَقُولُ يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ وَبَيْنَ مَنْ يَنْفِي ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُنْفَصِلَةَ لَمْ يُنَازِعْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَ هَؤُلَاءِ إثْبَاتُ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْقَائِمِ بِهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ مَعَ هَذَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ خُلُوَّ الْعَرْشِ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَبْقَى فَوْقَ الْعَرْشِ؛ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ مِنْ كِتَابِ السُّنَّةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ؛ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ اللُّبْنَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُد أَبُو مَعْمَرٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيكٌ فَسَأَلْته عَنْ الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ». قُلْنَا: إنَّ قَوْمًا يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ قَالَ فَمَا يَقُولُونَ؟ قُلْنَا: يَطْعَنُونَ فِيهَا فَقَالَ: إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ هُمْ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْقُرْآنِ وَبِالصَّلَاةِ وَبِالْحَجِّ وَبِالصَّوْمِ فَمَا يُعْرَفُ اللَّهُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ. قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه فَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيهِ. قَالَ: وَالْحَدِيثُ حَدَّثَ بِهِ أَحْمَد بْنُ مُوسَى بْنِ بريدة عَنْ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ التِّرْمِذِيِّ: سَمِعْت إسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْه يَقُولُ: اجْتَمَعَتْ الْجَهْمِيَّة إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ يَوْمًا فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ؛ إنَّك تُقَدِّمُ إسْحَاقَ وَتُكْرِمُهُ وَتُعَظِّمُهُ وَهُوَ كَافِرٌ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ. قَالَ: فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ وَبَعَثَ إلَيَّ فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَسَلَّمْت؛ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ غَضَبًا وَلَمْ يستجلسني ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ لِي: وَيْلَك يَا إسْحَاقُ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قُلْت لَا أَدْرِي قَالَ: تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَيَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؟ فَقُلْت أَيُّهَا الْأَمِيرُ لَسْت أَنَا قُلْته قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إسْحَاقَ عَنْ الْأَغَرِّ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟. مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» وَلَكِنْ مُرْهُمْ يُنَاظِرُونِي. قَالَ فَلَمَّا ذَكَرْت لَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَنَ غَضَبُهُ وَقَالَ لِي اجْلِسْ فَجَلَسْت. فَقُلْت: مُرْهُمْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ يُنَاظِرُونِي. قَالَ نَاظِرُوهُ قَالَ فَقُلْت لَهُمْ: يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْزِلَ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَمْ لَا يَسْتَطِيعُ؟ قَالَ: فَسَكَتُوا وَأَطْرَقُوا رُءُوسَهُمْ. فَقُلْت: أَيُّهَا الْأَمِيرُ مُرْهُمْ يُجِيبُوا فَسَكَتُوا. فَقَالَ وَيْحَك يَا إسْحَاقُ مَاذَا سَأَلْتهمْ قَالَ: قُلْت: أَيُّهَا الْأَمِيرُ قُلْ لَهُمْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْزِلَ؛ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَمْ لَا؟ قَالَ فأيش هَذَا؟ قُلْت: إنْ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْزِلَ إلَّا أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ الْعَرْشُ؟ فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَاجِزٌ مِثْلِي وَمِثْلُهُمْ وَقَدْ كَفَرُوا. وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْزِلَ وَلَا يَخْلُوَ مِنْهُ الْعَرْشُ فَهُوَ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ يَشَاءُ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْمَكَانُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَالصَّحِيحُ مِمَّا جَرَى بَيْنَ إسْحَاقَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ مَا أَخْبَرَنَا أَبِي ثنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ سَمِعْت إسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ مخلد يَقُولُ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَرْوُونَهَا فِي النُّزُولِ- يَعْنِي وَغَيْرَ ذَلِكَ- مَا هِيَ؟ قُلْت: أَيُّهَا الْأَمِيرُ هَذِهِ أَحَادِيثُ جَاءَتْ مَجِيءَ الْأَحْكَامِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَنَقَلَهَا الْعُلَمَاءُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُرَدَّ؛ هِيَ كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَدَقْت مَا كُنْت أَعْرِفُ وُجُوهَهَا إلَى الْآنِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْمَكَانُ كَيْفِيَّةً تَهْدِمُ النُّزُولَ وَتُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: هِيَ كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ؛ فَيُقَالُ: بَلْ مُخَاطَبَةُ إسْحَاقَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ كَانَ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمُخَاطَبَاتِ وَالْمُنَاظَرَاتِ يُنْقَلُ مِنْهَا هَذَا مَا لَا يُنْقَلُ غَيْرُهُ: كَمَا نَقَلُوا فِي مُنَاظَرَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ هَذَا يُنْقَلُ مَا لَا يَنْقُلُهُ هَذَا: كَمَا نَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ والمروذي وَغَيْرُهُمْ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَإِسْحَاقُ بَسَطَ الْكَلَامَ مَعَ ابْنِ طَاهِرٍ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ الصَّابُونِيُّ الْمُلَقَّبُ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي رِسَالَتِهِ فِي السُّنَّةِ قَالَ: وَيَعْتَقِدُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَيَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُهُ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وَذَكَرَ عِدَّةَ آيَاتٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ: وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ فِي ذَلِكَ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُصَدِّقُونَ الرَّبَّ جَلَّ جَلَالُهُ فِي خَبَرِهِ وَيُطْلِقُونَ مَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَيُمِرُّونَ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكِلُونَ عِلْمَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى و{يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}. وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؛ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَمَا أَرَاك إلَّا ضَالًّا؛ وَأَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَجْلِسِ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ الثَّابِتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: نَعْرِفُ رَبَّنَا بِأَنَّهُ فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؛ وَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ الْجَهْمِيَّة: بِأَنَّهُ هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ- يَعْنِي الْحَافِظَ- فِي كِتَابِ التَّارِيخِ الَّذِي جَمَعَهُ لِأَهْلِ نَيْسَابُورَ وَفِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْحَدِيثِ اللَّذَيْنِ جَمَعَهُمَا وَلَمْ يَسْبِقْ إلَى مِثْلِهِمَا قَالَ: سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ سَمِعْت الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَة يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ قَدْ اسْتَوَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ؛ فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ حَلَالُ الدَّمِ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ؛ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَأُلْقِيَ عَلَى بَعْضِ الْمَزَابِلِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُثْمَانَ: وَيُثْبِتُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ نُزُولَ الرَّبِّ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ لَهُ بِنُزُولِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ بَلْ يُثْبِتُونَ مَا أَثْبَتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْتَهُونَ فِيهِ إلَيْهِ وَيُمِرُّونَ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ الْوَارِدَ بِذِكْرِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ وَيَكِلُونَ عِلْمَهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ يُثْبِتُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وَقَوْلِهِ عَزَّ وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} وَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَكَرِيَّا سَمِعْت أَبَا حَامِدٍ الشَّرْقِيَّ سَمِعْت حَمْدَانَ السُّلَمِي وَأَبَا دَاوُد الْخَفَّافَ قَالَا: سَمِعْنَا إسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الحنظلي يَقُولُ: قَالَ لِي الْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ يَنْزِلُ؟ قَالَ: قُلْت: أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ لَا يُقَالُ لِأَمْرِ الرَّبِّ كَيْفَ إنَّمَا يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ. قَالَ: وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سَمِعْت أَحْمَد بْنَ سَعِيدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرباطي يَقُولُ: حَضَرْت مَجْلِسَ الْأَمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَحَضَرَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النُّزُولِ أَصَحِيحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ قُوَّادِ عَبْدِ اللَّهِ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: كَيْفَ يَنْزِلُ؟ فَقَالَ إسْحَاقُ: أَثْبَتَهُ فَوْقُ. فَقَالَ أَثْبَتَهُ فَوْقُ. فَقَالَ إسْحَاقُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فَقَالَ الْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ: هَذَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَقَالَ إسْحَاقُ: أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ مَنْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَمْنَعُهُ الْيَوْمَ وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: قَرَأْت فِي رِسَالَةِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ إلَى أَهْلِ جيلان أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا عَلَى مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وَقَالَ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} نُؤْمِنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَا جَاءَ بِلَا كَيْفٍ فَلَوْ شَاءَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُبَيِّنَ كَيْفَ ذَلِكَ فَعَلَ؛ فَانْتَهَيْنَا إلَى مَا أَحْكَمَهُ وَكَفَفْنَا عَنْ الَّذِي يَتَشَابَهُ إذْ كُنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِهِ فِي قَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}. وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ منده بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَرْبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ قَالَ: سَأَلْت إسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ قُلْت: حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا} قَالَ: نَعَمْ يَنْزِلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ عَنْ حَرْبٍ: لَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِي فِعْلِ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ حَرْبٍ قَالَ: هَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ الْمَعْرُوفِينَ بِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه والحميدي وَغَيْرِهِمْ. كَانَ قَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ شَاءَ وَكَمَا شَاءَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ حَرْبٍ: قَالَ: قَالَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَتَوَهَّمَ عَلَى الْخَالِقِ بِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ تَوَهُّمَ مَا يَجُوزُ التَّفَكُّرُ وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِ الْمَخْلُوقِينَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالنُّزُولِ كُلَّ لَيْلَةٍ إذَا مَضَى ثُلُثَاهَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا شَاءَ وَلَا يُسْأَلُ كَيْفَ نُزُولُهُ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ يَصْنَعُ كَيْفَ شَاءَ. وَرَوَى أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: سَأَلَ فَضَالَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ النُّزُولِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا ضَعِيفُ تَجِدُ خَدَّايَ خوشيركن: يَنْزِلُ كَيْفَ شَاءَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَنْ قَالَ لَك يَا مُشَبِّهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ جهمي وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ منده: إيَّاكَ أَنْ تَكُونَ فِيمَنْ يَقُولُ: أَنَا أُومِنُ بِرَبِّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ثُمَّ تَنْفِي مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا شَاءَ اللَّهُ وَأَوْجَبَ عَلَى خَلْقِهِ الْإِيمَانَ بِهِ: أَفَاعِيلَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ أَنْ يَنْزِلَ بِذَاتِهِ مِنْ الْعَرْشِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالزَّنَادِقَةُ يُنْكِرُونَهُ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ. وَرُوِيَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ بِشْرٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ عَرْشِهِ نَزَلَ بِذَاتِهِ». قُلْت: ضَعَّفَ أَبُو الْقَاسِمِ إسْمَاعِيلُ التَّيْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ هَذَا اللَّفْظَ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّيْمِيُّ: يَنْزِلُ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ أَنَا أُقِرُّ بِهِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِمَأْثُورِ؛ كَمَا لَوْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَبِذَاتِهِ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ بِنَفْسِهِ وَذَاتِهِ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا وَهُوَ بِنَفْسِهِ وَذَاتِهِ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ الَّتِي فَعَلَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ نَفْسُهُ فَعَلَهَا. فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ؛ وَلَيْسَ كُلُّ مَا بُيِّنَ بِهِ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ اللَّفْظِ يَكُونُ مِنْ الْقُرْآنِ وَمَرْفُوعًا. فَهَذَا تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ منده مَعَ أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَذَكَرَ أَلْفَاظَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ إلَى الْفَجْرِ» وَفِي لَفْظٍ: «إذَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ ثُلُثَاهُ يَهْبِطُ الرَّبُّ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَفِي لَفْظٍ حَتَّى يَنْشَقَّ الْفَجْرُ ثُمَّ يَرْتَفِعُ وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ: لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟» وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عبسة:«أَنَّ الرَّبَّ يَتَدَلَّى فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَفِي لَفْظٍ: حَتَّى يَنْشَقَّ الْفَجْرُ ثُمَّ يَرْتَفِعُ» وَذِكْرُ نُزُولِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَكَذَلِكَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَذِكْرُ نُزُولِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَحَدِيثُ يَوْمِ الْمَزِيدِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ نُزُولِهِ وَارْتِفَاعِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَيَجْعَلُ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ فِي مَكَانٍ. وَكَلَامُهُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ طَائِفَةٍ تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَنْزِلُ نُزُولًا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ. وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مَا ثَمَّ نُزُولٌ أَصْلًا كَقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ يَقُومُ بِذَاتِهِ بِاخْتِيَارِهِ. وَهَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ لَيْسَ عِنْدَهُمَا نُزُولٌ إلَّا النُّزُولُ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ أَجْسَادُ الْعِبَادِ الَّذِي يَقْتَضِي تَفْرِيغَ مَكَانٍ وَشَغْلَ آخَرَ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَنْفِي النُّزُولَ عَنْهُ يُنَزِّهُهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ نُزُولًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ يَقْتَضِي تَفْرِيغَ مَكَانٍ وَشَغْلَ آخَرَ؛ فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: هَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ؛ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ كَمَا يَقُولُ مَنْ يُقَابِلُهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي. وَهُوَ يَحْمِلُ كَلَامَ السَّلَفِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ عَلَى أَنَّهُ نُزُولٌ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَمَنْ يُقَابِلُهُ يَحْمِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَفْعُولٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ اللَّهِ. وَفِي الْجُمْلَةِ: فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّ الْعَرْشَ يَخْلُو مِنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ تَضْعِيفِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ إسْحَاقَ فَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى الثَّابِتَةَ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ وَذَكَرْنَا أَيْضًا اللَّفْظَ الثَّابِتَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ؛ رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا رِسَالَةُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ إلَى مُسَدَّدِ بْنِ مسرهد فَهِيَ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَكَتَبَهَا بِخَطِّهِ.